نابل تحتفل بالسنة الهجرية الجديدة على طريقتها.. عرائس السكر تروي الحكاية
تحتفل سائر الشعوب العربية والإسلامية بحلول عام هجري جديد وتختلف عادات استقباله من بلد إلى آخر، وينفرد أهالي مدينة نابل في إحياء هذه المناسبة الدينية بعادة مميزة وهي “عرائس السكر” التي تزين المحلات والشوارع لتصبح ميزة تختص بها العائلات النابلية في هذا الموعد السنوي.
وتشهد أغلب معتمديات الجهة حركية تجارية هامة، حيث ينتشر الباعة لعرض منتجاتهم بأشكال وأحجام وألوان مختلفة، بالإضافة إلى المكسرات والحلويات والفواكه الجافة، وتكون “عرائس السكر” في الغالب على شكل أسد أو ديك للذكور، في حين تختار البنات شكل عروس.
أصل الظاهرة وتطورها
تعد “عرائس السكر” من تراث مدينة نابل حيث تعود صناعتها إلى منتصف القرن الـ19 حين أخذها السكان المحليون عن الإيطاليين الذين سكنوا المدينة حينها وتذكر كتب التّاريخ أن أكثر من 100 ألف إيطالي وصلوا إلى شواطئ تونس بعد أن انطلقوا في قوارب من سواحل بلادهم بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
ويُعتقد أن عادة صناعة عرائس السكر تعود إلى عهود قديمة، ربما تأثرت بالحضارات المتوسطية، مثل الرومان والعرب، الذين استخدموا السكر في الاحتفالات الدينية، لكن نابل طوّرت هذا التقليد ليأخذ طابعًا فنيًا فريدًا، وتحول مع الوقت إلى مظهر من مظاهر الفخر المحلي.
في بداية ظهورها، كانت العرائس تُصنع يدويًا باستخدام قوالب خشبية تقليدية محفورة بدقة، يُسكب فيها السكر الساخن الممزوج بماء الزهر وألوان طبيعية، بعد أن تبرد، تُفك العروس من القالب وتُزيَّن بعناية باستخدام ألوان زاهية وشرائط وأوراق ذهبية أحيانًا.
الرمزية والدلالات
عرائس السكر ليست مجرد حلوى، بل تحمل رمزية اجتماعية وثقافية فبمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة، تُهدى العرائس للفتيات، بينما يُهدى الحصان المصنوع من السكر للأولاد. وترتبط هذه العادة بقيم الفرح، والكرم، والاحتفاء بالمناسبة الدينية، إلى جانب كونها فرصة للتعبير عن الذوق الفني لدى الحرفيين.
عرائس السكر في نابل ليست مجرد قطع حلوى، بل هي تحف فنية تحمل عبق الماضي وأصالة الهوية التونسية، وبين طيات السكر الملون، تُختزن قصص أجيال من الفرح والإبداع، يستحق هذا التقليد أن يُصان ويُحتفى به، كجزء من الذاكرة الجماعية والثراء الثقافي للبلاد.