أخبار

زهرة النارنج في نابل : بعدٌ اقتصادي، تجربة سياحية

انتظم يوم 19 أفريل الجاري يوم ترويجي لـــماء زهرة النارنج بولاية نابل وذلك في إطار الإستراتيجية الوطنية لدعم المنتوجات المحلية والترويج لها انطلاقا من ولاية نابل التي تُشتهر بها،  وذلك بالتعاون مع الإدارة العامة للانتاج الفلاحي ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية والمندوبية الجهوية للسياحة وبدعم من مشروع ” بَام بَات” لدعم المنتوجات المحلية الذي تنفذه منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وبتمويل من أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية بسويسرا.

تهدف الزيارة الميدانية للتعريف بخصوصيات هذا المنتوج المحلي الرائد  وسبل  إدماجه في مسار التنمية الاقتصادية بوجه عام والسياحة بوجه خاص وذلك من خلال استكشاف  مراحل تجميع المنتج وتقطيره بما يتيح للزائرأن يعيش تجربة غامرة ويواكب جميع تلك المراحل ، بحسب ما  أشارت إليه سامية العزابي،  الخبيرة في التسويق القطاعي والإقليمي ضمن فريق مشروع  النفاذ إلى أسواق الأغذية الزراعية والمنتوجات المحلية.

وفي هذا السياق، استفاد المشاركون، بما فيهم الصحفيون وممثلي وكالات الأسفار، من الزيارة الميدانية التي مكنتهم من اكتشاف مختلف هذا المراحل.

استهدفت الزيارة، أولا، حقلا لأشجار النارنج بوادي سهيل حيث قام السيد زهير بالأمين رئيس جمعيّة صيانة مدينة نابل، بعرض التاريخ  الأندلسي لشجرة النارنج والصعوبات التي تواجهها هذه الشجرة بسبب التغيرات المناخية ومواسم قطف الأزهار وتقطيرها.

كما  استعرض تفاصيل عملية الإنتاج قائلا : «يتم  قطف أزهار البرتقال ابتداءً من النصف الثاني من شهر مارس حتى أواخر  أفريل ولكن هذه السنة ونظرا للتغيرات المناخية تغير تاريخ موسم الاقتطاف».  وأضاف أنّ  الاقتطاف يخضع لمعايير  محددة تحترم خصوصيات زهر البرتقال. تتم على ثلاث مراحل، وثانيها، هي الأهم لأنها توفر أفضل الزهور وتعطي جودة فائقة للمياه المقطرة والزيوت.

وفي مرحلة ثانية توجه الحاضرون إلى مقرّ الشركة التعاونية الأساسية للخدمات الفلاحية بنابل، أين عاينوا عن كثب، تقنيات التقطير العصرية و التقليدية واستخراج زيت النيرولي.

وقد أوضح السيد إقبال قرط، رئيس الشركة التعاونية الأساسية للخدمات الفلاحية، أنّ   الشركة قامت بتطوير سلسلة إنتاج زهرة النارنج في مقرات تقطير الزهر وتحويله.  وحسنت في عملية الإنتاج بدءا بالتقطير والتخزين والتعبئة والتغليف وصولا  إلى التسويق عبر علامة “زهرة فاشكة” مشيرا إلى أنه تمّ إنشاء نقطة بيع لمختلف المنتوجات التجارية الجديدة لهذه العلامة .

ثم بعد ذلك، وبمناسبة مهرجان ماء الزهر بنابل الذي أقيم بـــدار نابل (بمدينة نابل) خلال عطلة نهاية الأسبوع، أقيمت معارض مبيعات لمياه الزهر ومستحضرات تجميل مستخرجة من أزهار النارنج وحرف يدوية مميزة للجهة، وكانت فرصة لإبراز تنوع المنتوجات  المستخرجة من زهرة النارنج وتثمينها.

تعلم المشاركون خلال هذه الزيارة الميدانية، المصحوبة بمرشدين، أن أزهار النارنج عادة ما يتم قطفها يدويًا وتقطيرها بالبخار لاستخراج ماء زهر النارنج.

ومن جهته، أكد  معز النعيري، الخبير ببرنامج “بام بات”، النفاذ للأسواق الخارجية للمنتجات الغذائية المحلية، أن الهدف من التجربة ككل كان أولا تسليط الضوء على أهمية زهرة النارنج في منطقة نابل والسماح للزائر باكتشاف الأنشطة المختلفة حول هذه الزهور  عبر المشاركة في قطفها، واكتشاف العملية الدقيقة لتقطير المياه الزهرية والنيرولي، وحضور الأنشطة وورش العمل المخصصة وأخيرا  تذوقُ الأطباق المعدة على أساس مياه  زهر النارنج وتجربة مستحضرات التجميل ا المستخرجة من هذه  الروائح السحرية  .

إن تقنية تقطير الزهر، هي تقنية قديمة تعود إلى العصر الأندلسي في القرن السادس عشر ويعرف ماء الورد بــ “الزهر” في اللهجة التونسية  كتسمية متجذرة بعمق في الحياة اليومية لأهالي الجهة.

” الزهر”، مكون رئيسي في الطهي المحلي ويستخدم كمنكِّهٍ لتعزيز طعم السلطات والكسكسي والحلويات وخاصة القهوة.

ينصح الأجداد بهذا المكون في الطب التقليدي كمضاد للأرق  والصداع النصفي وحروق الشمس  بفضل خصائصه  المهدّئة.

علاوة على ذلك، فإن رائحته اللطيفة تجعله عطرا طبيعيا تقليديا شهيرا للغاية ويستخدم في مناسبات مختلفة، خاصة للترحيب بالضيوف. وبالنسبة للعروسين، فإن رشهُما بمياه زهر النارنج يجلب لهما الحظ وهو تعبيرعن تمنِّي “مستقبل مزهر لهما “.

وتستخدم أزهار  النارنج  أيضا لإنتاج النيرولي، عن طريق التقطير، وهي  الأكثر رواجا في قطاع العطور والروائح.  في نابل، يتم التقطير بشكل رئيسي باليد، ولكن أيضا عبر شركات تونسية تنافسية للغاية على الصعيد الدولي توفر العلامات التجارية الكبرى لمستحضرات التجميل.  

يمكن لشجرة النارنج تحمل الجفاف ولا تتطلب كميات كبيرة من الماء.  يمكن استغلالها  بطرق عدديدة وفقا لمراحل مختلفة من حياتها: الأوراق والزهور والبذور والفواكه الناضجة.  تستخدم في استخراج الزيوت الأساسية لأزهار النارنج وفي تصنيع مستحضرات التجميل من قبل العلامات التجارية الكبرى. كما يتم استغلال الفاكهة في إنتاج العصائر ذات المذاق المميز وتتمتع بالعديد من الخصائص. على سبيل المثال، يوصى بها للوجبات الغذائية و فقدان الوزن.

يعمل مشروع ” بَام بَات” على تنفيذ محاور مختلفة لترويج المنتوجات المحلية وذلك بالتعاون مع مختلف الشركاء المعنيين كجزء من الإستراتيجية الوطنية لتثمين وترويج المنتجات المحلية التي أطلقت في عام 2022 في منطقتين تجريبيتين: نابل والقيروان. 

وفي نابل تم اختيار ثلاث منتوجات رئيسية هي: زهر النارنج، الهريسة والتين الشوكي لمنطقة بوعرقوب وتستفيد هذه المنتوجات من برنامج دعم التنمية لإبراز ثراء المنطقة وإمكانيات خلق تجارب سياحية جديدة فيها.

ويشتمل المشروع أيضا على الدعم الفني للمنتِجين على عدة مستويات، بدءا بالحصول على الشهائد وصولا إلى تحسين الجودة وتطويرالمنتوجات والابتكار.  يُؤخَذ بعين الاعتبار أيضا، عنصر التسويق ودعم العلامات التجارية عبر التجارة الالكترونية والتسويق الرقمي.

إن الهدف  من كل هذا هو تعزيز الوصول إلى الأسواق لأصحاب المنتوجات المحلية.   حيث يتم تقديم الدعم  على مدى كل المراحل وصولا  إلى مرحلة التسويق  لمساعدتهم على البيع بشكل أفضل: ليس فقط في السوق المحلية ولكن أيضا على المستوى الدولي.

وسيفتح المجال أمام مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة لإدماج المنتوجات المحلية في منوال التنمية الاقتصادية وتحفيز البعد السياحي من  خلال تجارب غامرة تسمح بتنويع عروضه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *