العمل عن بعد: جسر الشباب التونسي إلى السوق العالمية
لم يعد الحصول على وظيفة في شركة أجنبية يتطلب مغادرة تونس. ففي عالم يتزايد فيه الاتصال الرقمي، أصبح العمل عن بعد بوابة ذهبية للشباب التونسي نحو السوق العالمية، حاملا معه فرصا اقتصادية واعدة، لكنه يواجه أيضا تحديات تستدعي حلولا مبتكرة.
فرص واعدة في عالم بلا حدود
تظهر الإحصائيات العالمية أن ما يصل إلى 85% من الموظفين يفضلون العمل عن بعد، ويعتبرون أكثر إنتاجية. هذا التحول يخلق حاجة هائلة للكوادر المتخصصة، وهي فرصة يمكن للشباب التونسي اقتناصها بمهاراتهم في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، تحليل البيانات، والتسويق الرقمي. هذه القطاعات لا تزال في مراحلها الأولى في تونس، لكن الطلب العالمي عليها يفتح آفاقا واسعة للمبادرات الفردية.
المنصات العالمية للعمل الحر مثل Upwork وFreelancer، بالإضافة إلى المنصات العربية مثل مستقل وخمسات، أصبحت جسورا مباشرة للوصول إلى العملاء والشركات الأجنبية. كما تُظهر مبادرات محلية مثل شبكة العاملين عن بعد في تونس (Tunisian Freelancers Network) وجود حراك شبابي واع بأهمية تنظيم وتأطير هذا المجال، مما يؤكد على المهرات التي يمتلكها الشباب التونسي.
تحديات تتطلب حلولاً جريئة
على الرغم من الفرص الواضحة، يواجه الشباب التونسي عقبات رئيسية تعيق طريقهم. أبرزها التحديات القانونية والمالية. ففي حين أصدرت الحكومة مرسومًا لتنظيم العمل عن بعد في القطاع العام، لا يزال الإطار القانوني للعمل الحر مع الشركات الأجنبية غير مكتمل. أما التحديات المالية، فهي لا تقل أهمية. فصعوبة تحويل الأموال من الخارج تشكل عائقا كبيرا، حيث لا يمكن استخدام خدمات مثل PayPal لتلقي الأرباح. لكن تبرز حلول بديلة مثل منصة Payoneer التي أصبحت خيارا شائعا وفعالا، حيث تسمح للشباب بتلقي أموالهم وسحبها عبر الحسابات البنكية المحلية.
إضافة إلى ذلك، تبرز تحديات البنية التحتية، ففي حين يعد الإنترنت ضرورة للعمل عن بعد، تظهر الإحصائيات أن سرعة الإنترنت الثابت في تونس لا تزال متأخرة مقارنة بالعديد من الدول، مما يؤثر على أداء الموظفين في بعض الأحيان.
تونس: نحو مركز إقليمي للعمل عن بعد؟
تُظهر الاستراتيجية الوطنية الرقمية لتونس 2021-2025 توجها حكوميا نحو دعم الاقتصاد الرقمي. وإذا تم تذليل العقبات القانونية والمالية، يمكن لتونس أن تتحول إلى مركز إقليمي للعمل عن بعد، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي، ومواهب شبابها، وقربها الثقافي من أوروبا.
إن العمل عن بعد ليس مجرد خيار وظيفي، بل هو فرصة لإعادة تعريف العلاقة بين الشباب التونسي والاقتصاد العالمي. وبينما يظهر الشباب قدرة على التكيف والمبادرة، تقع على عاتق الجهات الرسمية مهمة خلق بيئة مواتية تضمن استدامة ونجاح هذه التجارب، ليكون العمل عن بعد ليس فقط حلا للبطالة، بل محركا حقيقيا للتنمية الاقتصادية.